دراسه فى الاسفار القانونيه الثانيه ( سفر الحكمه ! ) - Abahoor

دراسه فى الاسفار القانونيه الثانيه ( سفر الحكمه ! )


                       الأسفار القانونية الثانية
                                         سفر الحكمة
                                           سليمان الحكيم
يأخذ هذا السفر مكانه بعد سفر نشيد الإنشاد لسليمان الحكيم. وهو مكون من 19 أصحاحا كلها تفيض بأحاديث حكيمة عميقة المعاني الروحانية. وقد ورد هذا السفر ضمن أسفار التوراة في النسخة السبعينية المترجمة إلى اليونانية. وبرغم اعتراض البروتستانت على قانونية هذا السفر وباقي أسفار المجموعة الثانية التي جمعت بعد عزرا الكاهن، ولكنهم كتبوا يمتدحونه بسبب بلاغته وسمو معانية. فقد ورد على لسان الدكتور سمعان كهلون في كتابه (مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين - طبعة بيروت 1937 ص303 و305) قوله: "والبعض الآخر كسفر الحكمة وحكمة يشوع بن سيراخ، فهو على جانب عظيم من البلاغة وعمق المعاني الروحية". وكذا قوله أيضًا على سفر الحكمة "هذا السفر هو أجمل هذه الأسفار. وقد كُتِبَ بأسلوب يدل على تضلع تام من اللغة اليونانية. ويرجح أن كاتبه يهودي مصري عاش بين عاميّ 15 و50 قبل الميلاد وكان متضلعًا من الفلسفة اليونانية. وقصد مقاومة أغلاظ الوثنية ولاسيما عبادة الأصنام بإظهاره سمو الحكمة المنبعثة عن خوف الله وحفظ شريعته ومعرفة طريقة للخلاص".

وفى الجيل الرابع ذكر إيرونيموس أن بعض المؤمنين المسيحيين شكوا في صحة مجموعة الأسفار القانونية الثانية التي هي طوبيا ويهوديت والحكمة ويشوع بن سيراخ وباروخ والمكابيين الأول والثاني وتتمة كل من إستير ودانيال. غير أنه واضح من كتابات إيرونيموس أن هذا ليس رأيه الشخصى بل رأى هذا البعض دون غيره. ولهذا فقد ورد في مقدمته التي كتبها على أسفار سليمان قوله عن سفري الحكمة ويشوع بن سيراخ "يحسُن بالكنيسة أن تتلوا هذين السفرين"، هذا فضلا عن إن إيرونيموس اقتبس من هذا السفر في بعض كتاباته. ومن أمثلة ذلك ما كتبه "إن الحكمة لا تَلِج النفس الساعية بالمكر ولا تحِل في الجسد المسترق، كما جاء في الكتاب". فإذا اعتبرنا أن العبارة السابقة التي كتبها موجودة بنصها في سفر الحكمة (حك1: 4)، فهو إذا يعترف بسفر الحكمة باعتباره سفر كتابي موحى به.

ولقد انقسمت الآراء حول شخصية كاتب هذا السفر. فقال بعضهم إنه يوناني أو أنه يهودي مصري لم يكن يعرف غير اللغة اليونانية. وحجتهم في هذا أن النسخة الموجودة من السفر مكتوبة باليونانية بأسلوب فلسفي فصيح مشهود له بالبلاغة وطلاوة العبارة. ولعلهم نسوا أن السفر بنسخته اليونانية مترجم ضمن باقي أسفار التوراة من العبرية إلى اليونانية في النسخة السبعينية المعروفة، غير أنه واضح أن كاتب السفر هو سليمان الملك ودليل ذلك الآتي:

1- إن أسلوب السفر يتخذ نفس النهج الحكمي الذي كتب به سليمان كتاباته من حيث البلاغة وعمق المعنى والاتجاه الحكمي الشعري.

2- إن ترتيب السفر يتفق وكتابات سليمان، فمكانه بعد سفر نشيد الأنشاد لسليمان مباشرة.

3- وثمة دليل آخر على سليمان هو كاتب سفر الحكمة وهو ما ورد في السفر على لسان كاتبه منطبقًا على سليمان قوله: "إنك قد اخترتني لشعبك ملكًا ولبنيك وبناتك قاضيًا. وأمرتني أن أبنى هيكلًا في جبل قدسك ومذبحًا في مدينة سُكناك، على مثال المسكن المقدس الذي هيأته منذ البدء. إن معك الحكمة العليمة بأعمالك والتي كانت حاضرة إذ صنعت العالم، وهي عارفة ما المرضى في عينيك والمستقيم في وصاياك. فأرسلها من السموات المقدسة وابعثها من عرش مجدك حتى إذا حضرت تَجِدُّ معي، واعلم ما المرضي لديك؛ فإنها تعلم وتفهم كل شيء، فتكون لي في أفعالي مرشدًا فطينًا، وبعزَّها تحفظني، فتغدو أعمالي مقبولة وأحكم لشعبك بالعدل وأكون أهلًا لعرش أبي" (حك7:9-12). وواضِح أن هذا الكلام كله لا يناسِب إلا سليمان وحده دون غيره.

وتبرز هنا مشكلة يثيرها المُعترضون بقولهم: إذا كان سُليمان هو الذي كتب هذا السِّفر، فلماذا لم يتسنّى لعِزرا الذي جمع شتات أسفار التوراة أن يعثر عليه ويضعه في موضِعه ضمن الأسفار التي جمعها؟ والرد على هذا الاعتراض هو أن كِتابات سليمان فُقِدَ منها الكثير. فقد ذُكِرَ في سفر الملوك الأول أن الله أعطاه "حِكمة وفهمًا كثيرًا وحبة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر" (1مل29:4)، بمعنى أنه كان له الكثير من أقوال الحكمة الرحبة. وقد قيل عن سليمان أيضًا أنه "تكلَّم بثلاثة آلاف مثل وكانت نشائده ألفًا وخمسًا. وتكلَّم عن الأشجار من الأرز الذي في لبنان إلى الزوفا النَّابِت في الحائِط. وتكلَّم عن البهائم وهن الطير وعن الدبيب وعن السمك.." (1مل32:4، 33)، فأين كل هذه الأمثال والنشائد والكِتابات؟! إلا إذا كانت قد فُقِدَت.

ويكفينا أن نذكر أن مجامِع عديدة أقرَّت هذا السِّفر ضمن الأسفار الموحى بها. فإن المجمع التريدنتيني عام 1546 ومجمع القسطنطينيّة عام 381 الذي حضره القديس أوغسطينوس، وكذا مجمعيّ قرطاجنّة الأول والثاني 397 و419، وكذا مجمعي الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية أعوام 1671 و1682. وهم في هذا يعتمدون على وروده ضمن الترجمة السبعينيّة وكذا ضمن قوانين الآباء الرسل (=القانون 85).

هذا، وقد جاء في كتاب "السطروماتيون" للقديس اكليمندس الاسكندري قوله عن هذا السفر أنه مُعتبر "كِتابًا مُقدَّسًا"، كما استشهد بنصوص هذا السفر الكثير من آباء الكنيسة في الأجيال الأولى للمسيحيّة في مقالاتهم وعظاتهم وكتبهم. ومن أمثال هؤلاء القديس إكليمندس الروماني (=في رسالته الأولى إلى كورنثوس )، والقديس إكليمندس الإسكندري (=في كتابه المُرَبِّي)، حيث ذكر سِت مرّات في الفصل السادس من الكتاب، وكذا القديس إيرنياؤس الذي نُشِرَ سفر الحكمة في أيامه، وكذا أوسابيوس القيصري (=في كتابه تاريخ الكنيسة - الكتاب الخامس )، والقديس ديوناسيوس الإسكندري ، والبابا أثناسيوس الرسولي (=في خطبته ضد الأمم،
)، حيث يقول عن كلام السفر أنه "قول الروح القدس"، وأنه "كلام الله"، وكذا القديس أبيفانيوس في بعض كِتاباته، بل أن القديس باسيليوس الذي وضع القداس الباسيلي استشهد به في قداسه، حيث قال "والموت دخل إلى العالم بحسد إبليس" (راجع النص الأصلي في حك24:2).