تاريخ كتاب مقدس فلسفــــــــــــــة الغومنسيون - Abahoor

تاريخ كتاب مقدس فلسفــــــــــــــة الغومنسيون

 

تاريخ كتاب مقدس

فلسفــــــــــــــة الغومنسيون

أولا:ً نشأة الغنوسية وإنتشارها:

أ‌-  بداية الحركة:

قبل ظهور المسيحية بوقت قليل، بدأت الديانات الوثنية تضعف وتنحط، بسبب تشكيك الفلسفة في مصداقيتها وأساطيرها وتماثيلها. فهب بعض الفلاسفة لخلق تعليماً دينياً جديداً يوفّق بين ديانات العالم وفلسفاته، ولا يشوبه نقائص المعتقدات الوثنية الحسية ، فكانت بذلك بداية الفلسفة الغنوسية..

فقد كانت للحركة الغنوسية جذوراً ترجع إلى ما قبل القرن الأول الميلادي، لكنها تبلورت بصورتها النهائية وزاد إنتشارها وتأثيرها خلال القرنين الثاني والثالث الميلادي. وترجع تسمية هذه الحركة بهذا الإسم، إلى الكلمة اليونانية  والتي تعني "معرفة". حيث إدعى الغنوسيين أن هناك معرفة سرية ، تفتح أمام الغنوسي أبواب المعرفة الفائقة، وفهم الذات والإتحاد بالله . وهي معرفة لا تأتي عن طريق العقل، بل عن طريق الإلهام. وقد وصفها جوناثان هيل بأنها كانت حركة غامضة متعددة التيارات والآراء الفلسفية، حتى ان الباحثين لا يعرفوا على وجه اليقين أين أو متى ظهرت الغنوسية. والسبب في ذلك إنما يرجع إلى إنها لم تكن نتاج فلسفة أو عقيدة بعينها، ولكن خليط من العقائد والمصادر المختلفة؛ فهي خليط ما بين الفلسفة الأفلاطونية والبوذية الهندية والديانة الزرادشتية (الفارسية). ويقال أن سيمون الساحر المذكور في (أع9:8) هو أحد مؤسسيها، حتى قال احد آباء الكنيسة عنه أنه  أب كل هرطقة. ومن أشهر فلاسفة الغنوسية: باسيليدس وفالنتينوس، اللذان كان لكل منهما مدرسته الفلسفية الخاصة به.

وقد كان لهذه الفلسفة تأثيرها ونفوذها على شتى الأديان والفلسفات التي كانت منتشرة في ذلك الوقت. فمثلاً قارئي كتابات فيلو الفليسوف اليهودي الذي كان يعيش في الإسكندرية عاش بين 20 ق.م و 50م، يمكنه إكتشاف مدى يوجد المزيد على موقع blogger    abahoor تأثير هذه الفلسفة عليه، خاصة في تعليقاته على بعض أجزاء سفر دانيال ورؤيا باروخ . كما نقرأ عن كيرنث الإسكندري اليهودي، الذي قال ان قبل ظهور المسيحية لم يكن الله الكلي الكمال معروفا في العالم، فأظهره للعالم مسيا المسيح السامي؛ الذي حل في وقت العماد على الإنسان يسوع بشكل حمامة وفارقه في وقت الآلام ! ويظن بونيفاس أن بعض العقائد الغنوسية، إنتشرت وسط الشعب اليهودي منذ السبي البابلي؛ بإندماجهم مع البابليين وتأثرهم ببعض تعاليمهم حول نشاة الكون ووجود إله خير وإله للشر، الأمور التي تعد من أساسيات التعاليم الغنوسية.

ب‌-   خطورتها على المسيحية:

كما دخلت الفلسفة الغنوسية إلى دائرة الفكر اليهودي والوثني، جاء الدور على الكنيسة؛ فوجد المسيحيون الأولون أنفسهم أمام خطراً شديداً، بل قل كان هو الخطر الأشد على الكنيسة على مدار قرونها الثلاثة الأولى. وذلك للأسباب التالية:

إنتشارها في نفس التوقيت وفي نفس المناطق التي إنتشرت فيها المسيحية

دخولها إلى داخل الكنيسة عبر إعتناق بعض المسيحيين لتعاليما ومنادتهم بها.

المزج بين الغنوسية والتعاليم المسيحية ؛ فيقال أنه رغم أن سيمون الساحر كان سامرياً، إلا أنه درس الديانات الشرقية في الإسكندرية، وقد إدعى أنه "قوة الله العظيمة"

أع10:8    (وكان الجميع يتبعونه من الصغير الى الكبير قائلين:«هذا هو قوة الله العظيمة  )

وأنه جمع في شخصه كمالات اللاهوت. وبعد هزيمته أمام الرسول بطرس في

أع18:8-24   (ولما راى سيمون انه بوضع ايدي الرسل يعطى الروح القدس قدم لهما دراهم 19                           قائلا: «اعطياني انا ايضا هذا السلطان، حتى اي من وضعت عليه يدي يقبل الروح                        القدس». 20 فقال له بطرس:«لتكن فضتك معك للهلاك، لانك ظننت ان تقتني موهبة                      الله بدراهم! 21 ليس لك نصيب ولا قرعة في هذا الامر، لان قلبك ليس مستقيما امام                        الله.22 فتب من شرك هذا، واطلب الى الله عسى ان يغفر لك فكر قلبك، 23 لاني اراك                    في مرارة المر ورباط الظلم». 24 فاجاب سيمون وقال:«اطلبا انتما الى الرب من                          اجلي لكي لا ياتي علي شيء مما ذكرتما»)

، ترك السامرة وإنتقى البلدان التي لم تكن المسيحية قد انتشرت فيها بعد، وبدأ ينشر فيها تعاليمه، مازجاً إياها باسم المسيح.

أتخاذ الغنوسيين فكرة فداء المسيح للإنسان من الخطية، وتحويلها لتكون فداء من المادة الشريرة.

المشابهات الظاهرية بين التعاليم الغنوسية وبعض كتابات الرسول بولس [مثل "جسد هذا الموت"

 رو24:7    (ويحي انا الانسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت؟ 

 وأن المسيح "صار في شبه الناس"

 في7:2 .    (لكنه اخلى نفسه، اخذا صورة عبد، صائرا في شبه الناس)

التعاليم الغنوسية كانت تبدو أكثر جاذبية لمحبي الفلسفة، وأكثر روحانية لراغبي حياة الزهد والتقشف.

ثانياً: التعاليم الغنوسية الأساسية:

نظرتهم للمادة والعالم:

تشكل نظرة الغنوسيين للمادة وللعالم المادي حجر الزاوية الذي عليه يقوم سائر التعاليم الغنوسية. فالغنوسيين ينظرون للمادة على إنها شر في حد ذاتها، لذا فالعالم لأنه مادي فهو شرير والجسد المادي أيضاً شرير! والخير هو في الأمور الروحية والعالم الروحي. فكانوا ينظرون للروح والأمور الروحية على إنها الحقيقة الوحيدة، بينما المادة ما هي إلا وهم يحتقر؛ وقد استمدوا هذا المعتقد من الأفلاطونية الحديثة!

ثنائية الآلهة

بناء على إعتقادهم بأن المادة والعالم المادي شر في حد ذاتهما، جاء الإعتقاد الثاني؛ الذي استمدته الغنوسية من الديانة الفارسية. وهو الإفتراض بوجود إلهين مستقلان يعمل كل منهما في مجاله، أحدهما إله الخير أو إله مملكة النور الذي يهتم بالروحيات، وإله الشر أو إله مملكة الظلمة الذي يهتم بأمور المادة الشريرة. فبحسب يوجد المزيد على موقع blogger    abahoor الغنوسيين إله الخير لا يتعامل ولا يهتم سوى بالأمور الروحية، فهو لم يخلق العالم المادي الشرير، إنما خالقه هو إله الشر. وهو أيضاً لا يتواصل مباشرة مع هذا العالم الشرير؛ إنما تواصله يكون عبر وسطاء كثيرين بينه وبين المادة. وآخر أولئك الوسطاء وأكثرهم بعداً عنه، هو يهوه [إله اليهود] الذي خلق هذا العالم المادة ، وهو يختلف تماماً عن الآب السماوي أبو يسوع المسيح! لذا نجد الرسول يوحنا في رسالته الأولى التي يعتقد الآباء أنه كتبها لمواجهة التعاليم الغنوسية، يقول: "وهذا هو الخبر الذي سمعناه منه ونخبركم به، أن الله نور وليس فيه ظلمة البتة"                                                                                                   ( 1يو5:1)

أطلق الغنوسيون على "الوسطاء الروحيين" [بين العالم المادي وإله الخير] في مجملهم اسم "ملء الله" أو باليوناني " وهي نفس الكلمة التي استخدمها الرسول بولس في حديثه عن المسيح إذ قال "لأنه فيه سر أن يحل كل الملء                                                                                             ( كو19:1 )

. فالرسول بولس أراد تصحيح مفاهيم أهل كولوسي بقوله أن المسيح ليس واحداً من الوسطاء بين الله والناس إذ أنه "الوسيط الوحيد بين الله والناس"                                                                 ( 1تي5:2 )

، ولا هو جزءاً من هذه  البليروما، لكنه "فيه يحل كل ملء  اللاهوت جسدياً"                   ( كو9:2)

الخلاص:

قسم الغنوسيين البشر إلى ثلاثة طبقات متمايزة،

 الطبقة الأولى: هم الماديين الذين تعوقهم المادة عن التسامي فوق العالم السفلي.

الطبقة الثانية: هم الحيوانيين وهم طبقة وسطى قابلة للارتفاع أو السقوط.

الطبقة الثالثة: هم الروحيين (وهم الغنوسيون صفوة البشر)وهم من أصل إلهي يكفل لهم الخلاص (مختارون ليخلصوا). فكل البشر في رأيهم مكونون من جسد وعقل، ولكن أولئك الروحيين يمتلكوا في داخلهم شرارة من روح نقي، تمكنهم هذه الشرارة من أن يتجددوا ويقبلوا ملكوت إله الخير، وهذه الشرارة الروحية سجينة في أجسادهم المادية

والخلاص عندهم يتم في لحظة التحرر من العالم والجسد المادي، إما عند لحظة موت الغنوسي، وإنطلاق هذه الشرارة الروحية من جسده؛ أو عن طريق حياة الزهد والتقشف الصارمة، والبعد عن الإنغماس في الأمور المادية بقدر الإمكان، ليتمكن من الإقتراب أكثر إلى الله. فقد مالت بعض الجماعات الغنوسية نحو التقشف والزهد وإزلال الجسد، لعلهم يسموا فوقه نحو عالم الروح، وإمتنع بعضهم عن الزواج بهدف العمل على إنقراض البشرية.

فكتب عنهم الرسول بولس إلى تلميذه تيموثاوس قائلاً: "ولكن الروح يقول صريحاً، إنه في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان، تابعين أرواحا مضلة وتعاليم شياطين، في رياء أقوال كاذبة، موسومة ضمائرهم، مانعين عن الزواج، وآمرين أن يمتنع عن أطعمة قد خلقها الله لتتناول بالشكر من المؤمنين وعارفي الحق. لأن كل خليقة الله جيدة، ولا يرفض شيء إذا أخذ مع الشكر، لأنه يقدس بكلمة الله والصلاة"                ( 1تي1:4-5)

 وفي تحذيره لكنيسة كولوسي من الفلسفة الغنوسية، كتب الرسول بولس لهم قائلاً: "أنظروا أن لا يكون احد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل، حسب تقليد الناس، حسب اركان العالم، وليس حسب المسيح.. إذا ان كنتم قد متم مع المسيح عن اركان العالم، فلماذا كأنكم عائشون في العالم، تفرض عليكم فرائض، لا تمس، ولا تذق، ولا تجس؟ التي هي جميعها للفناء في الاستعمال، حسب وصايا وتعاليم الناس، التي لها حكاية حكمة، بعبادة نافلة، وتواضع، وقهر الجسد، ليس بقيمة ما من جهة اشباع البشرية"                                  (كو20:2-23)

فكتب عنهم الرسول بطرس في رسالته الثانية قائلا : "هؤلاء هم آبار بلا ماء، غيوم يسوقها النوء. الذين قد حفظ لهم قتام الظلام إلى الأبد. لأنهم إذ ينطقون بعظائم البطل، يخدعون بشهوات الجسد في الدعارة من هرب قليلا من الذين يسيرون في الضلال"                                                                   (2بط17:2-18).

ولكن على الصعيد الآخر، تعاملت بعض الجماعات الغنوسية الأخرى مع الجسد والروح على إنهما شيئان منفصلان لا يتأثر أحدهما بالآخر. فأطلقوا الروح ترفرف في المعرفة والأفكار الروحية، وفي نفس الوقت تركوا العنان لشهوات أجسادهم لتستبيح وتنغمس بلا ضوابط في هذا العالم الشري. إذ أدعوا أن أطلاق العنان للشهوات هو أيضاً إحتقار للجسد المادي وإزلاله!