مـــــدن الكتاب المقدس ( صور ( 9 ) - Abahoor

مـــــدن الكتاب المقدس ( صور ( 9 )


صُوْر
هي مدينة بحرية لبنانية مركز قضاء صور أحد أقضية محافظة الجنوب. تقع على شاطيء البحر الأبيض المتوسط. تعتبر مدينة "صور" من أشهر حواضر العالم عبر التاريخ للدور التي لعبته في الحقبة الفينيقية ان كان من ناحية سيطرتها على التجارة البحرية ، انشائها المستوطنات التجارية حول المتوسط ، نشر الديانات في العالم القديم، انشائها مستوطنة قرطاجة التي قارعت الدولة الرومانية، أو مقاومتها لزحف الإسكندر المقدوني.

تقع شبه جزيرة "صور" على الساحل اللبناني على الضفة الشرقية للبحر المتوسط على خط عرض 16-35- وخط طول 16-33- وهي على بعد 85 كلم جنوب بيروت وعلى منتصف المسافة بين صيدا وعكا في فلسطين. ويحيط بها سهل ساحلي ضيق ممتد بين البحر و جبل عامل ، يتراوح عرضه بين 1 و 2 كلم. ومحيط "صور" غني بامياه العذبة ، فعلى بعد 5 كلم جنوب صور تقع ينابيع رأس العين، وعلى بعد 2 كلم جنوب صور، تقع ينابيع الرشيدية. أما شمالاً، فيوجد نبع البقبوق (3 كلم) وعين عبرين (7 كلم) ثم نهر الليطاني المعروف بالقاسمية.

تاريخ صور
عراقة وحداثة في نفس المدينة

تكونت جزيرة "صور" منذ حوالي مليون سنة، أما البر المقابل لها فقد سكن منذ أحد عشر الف سنة على الاقل أطلق الصوريون على مدينتهم اسم " صـُر – SR " الذي يمكن ارجاعه إلى الاصل " طر " والذي يعني في أكثر اللهجات السامية الصوان أو الحجر الحاد دالا بذلك على الطبيعة الصخرية القاسية التي بنيت عليها المدينة، فـ "صور" تعني بالفينيقية الصخرة.

اما اصل الصوريين فهم كانوا من الفينيقيين الذين سكنوا الساحل من رأس الشمرا حتى غزة في الجنوب ، ويؤكد هيرودوت أن الفينيقيين كانوا يقطنون شواطئ البحر الأحمر ومنها قدموا إلى شواطئ لبنان وسوريا، أما جوستين فيروي فيرأ انهم تركوا اوطانهم الاصلية اثر حصول زلزال فيها وقدموا إلى شواطئ البحر المتوسط .

في سنة 980 ق.م تولى حيرام بن ابي بعل عرش "صور" وعمره عشرون عاما ، ووصلت "صور" في ايامه إلى مركز حضاري وتجاري لا يجارى، وأصبحت بحق " درة البحر الأبيض وسيدة الاوقيانوسات ". وكان حيرام نشيطا ومهتما بالمحافظة على ما حققه اسلافه من نجاحات خارج الحدود الصورية، فشن حربا ضد الكتيين (القبارصة) لعصيانهم وتمنعهم عن دفع الجزية، وارجعهم إلى الطاعة.

وفي عهده شهدت "صور" حركة عمران وإصلاح لم يعرفها تاريخ المنطقة من قبل، إذ وجه عنايته بادئ ذي بدء إلى حاضرته وعاصمة ملكه. وكانت "صور" حتى القرن العاشر تتألف من جزيرتين الشمالية (الرئيسية) التي كانت تقوم عليها المدينة، والصغرى إلى الجنوب الغربي، التي لم يكن عليها آنذاك سوى هيكل بعل السماء.

وقد سد حيرام القناة المائية التي كانت تفصل بين الجزيرتين، ووسع مساحة المدينة وجلب كميات كبيرة من الصخور والحجارة من الجبال إلى شرق الجزيرة الرئيسية، فربح بذلك مساحات اضافية توسعت المدينة عليها. وأولى حيرام دور العبادة عناية خاصة، فرمم القديمة منها، وجلب خشب الارز من جبال لبنان لسقفها وأعاد بناء هيكلي ملقارت وعشترت، وأقام عمودا من الذهب في هيكل بعل السماء.

ولم يقتصر الاعجاب بهذه المنجزات على الصوريين وحدهم، بل تعداهم إلى جيرانهم الذين بهرتهم عظمة "صور" وتألقها في عهد ملكها الشاب، فأخذ ملوك وأمراء الدويلات المجاورة يتوددون اليه وينشدون صداقته، وكان داود ملك الإسرائيليين ابرز هؤلاء ، فلم يبخل عليه حيرام بذلك، وأرسل له " خشب ارز وبنائين ونجارين ".

وبعد موت داود ارسل حيرام وفدا إلى سليمان لتهنئته " لأنه سمع أنهم مسحوه ملكا مكان ابيه، لأن حيرام كان محبا لداود كل الايام ".

ورغب سليمان في تجديد العلاقات التي كانت تربط بين ملك "صور" وابيه وأن " يبني بيتاً لاسم الرب إلهه " بمساعدة حيرام، وطلب منه " ارزا من لبنان " و" رجلا حكيما في صناعة الذهب والفضة... ماهرا في النقش

وأرسل حيرام إلى سليمان " سفنا وعبيدا يعرفون البحر، فأتوا مع عبيد سليمان إلى اوفير " " وكان للملك سفن ترشيش مع سفن حيرام... فكانت سفن ترشيش تأتي مرة كل ثلاث سنوات ... حاملة ذهبا وفضة وعاجا وقرودا وطواويس " وكانت ارباح سليمان وافرة، إذ بلغت حصته من سفرة واحدة إلى أوفير اربعمئة وخمسين قنطارا من الذهب.

ويرجع انتشار المسيحية في مدينة ملقرت إلى زمن ظهور السيد المسيح، ومن الممكن أن تكون شهرة الناصريّ في الجليل وصلت إلى فينيقيا في أوائل تبشيره برسالته : " والذين حول صور وصيداء جمع كثير، إذ سمعوا كم صنع، أتوا إليه".وقد قام يسوع زيارة ضواحي هاتين المدينتين، وقرب صور شفى ابنة المرأة الفينيقية السورية.

وحوالي منتصف القرن الميلادي الأول كانت في صور جالية مسيحيّة، بين أعضائها جماعة من مسيحييّ أورشليم الذين لجأوا إليها " من جراء الضيق الذي حصل بسبب استفانوس، فاجتازوا إلى فينيقية ".

و زار صور سنة 57 م . بولس الرسول عند عودته من رحلته الثالثة، فوجد فيها كنيسة أنشاتها جالية المدينة، وهي من أولى الكنائس التي انشئت في تاريخ المسيحيّة، وقد تبعته الجالية وكانت مؤلفة من نساء ورجال واطفال، إلى المرفأ، حيث ركع الجميع وصلّوا : " وأقبلنا إلى صور لأن السفينة كانت تضع وسقها هناك، فلما صادفنا التلاميذ مكثنا هناك سبعة أيام... ولما قضينا الأيام خرجنا وسرنا وهم يشيعوننا بأجمعهم مع النساء والأولاد إلى خارج المدينة، فجثونا على الشاطئ وصلّينا. ثم ودّع بعضنا بعضاً وركبنا السفينة ".

وفد قويت الطائفة بعدها وزاد عدد أفرادها وأصبح لها أهمية بالغة في حياة المدينة وتاريخها.

وفي سنة 313 انتصر قسطنطين على مكسنسيوس على أبواب روما وأصدر بيان ميلان الذي يضمن فيه الحريات الدينية و "حق كل امرئ بممارسة طقوسه الدينية حسب رغباته"، وسرعان ما فتحت السجون المكتظّة بالمؤمنين أبوابها، ولم يعد الأتقياء بحاجة لإداء صلواتهم وإقامة شعائرهم في المخابئ والسراديب ، وأعيد بناء بيوت الله في كل مكان، وقامت صور الغنيّة المترفة ، بتوجيه وإشراف مطرانها الأسقف باولينوس، بين 313 و 323، بإنشاء كنيسة جديدة على أنقاض تلك التي هُدمت خلال أحداث سنة 303 ، كانت أروع وأجمل من كل ما ارتفع وشيّد من قبل.

كانت هذه الكنيسة أفخم ما شيّد في فينيقيا كلها، وأقدم كاتدرائية مسيحيّة على الإطلاق، بُنيت قبل كنيسة القيامة فوق القبر المقدّس في أورشليم بعشر سنوات، وقبل كنيسة المهد في بيت لحم التي شيدتها الإمبراطورة هيلانة حوالي سنة 330. وإذا كان هيكل ملقرت في صور أقدم ما تعيه ذاكرة البشرية ، فإن كنيسة صور كانت أقدم ما أنشئ من كاتدرائيات في تاريخ المسيحيّة.

























.