شخصيات كتابيه عهد قديم راعــــــوث الموآبيــــــ(21)ــــــــــــة - Abahoor

شخصيات كتابيه عهد قديم راعــــــوث الموآبيــــــ(21)ــــــــــــة



راعــــــوث الموآبيــــــ(21)ــــــــــــة

كيف انتقلت راعوث من الوثنية إلى إله إسرائيل؟ أغلب الظن أنها لم تقرأ كتبًا عن يهوه قبل نعمى، كانت نعمى أستاذها وكتابها الخالد الذي أنار لها الطريق.. وكم أحس بتفاهة إيماني، وأنا أرى هذه الفتاة الموأبية تناضل بإيمانها الظلام والجوع والفقر والتعاسة والشقاء! كما أقف ازاءها لتأمل مكافأة الله العجيبة للنفس التي تمسك به بشجاعة وإخلاص وقوة.. كان عصر القضاة عصر شريرًا، عصرًا يتضح بالأثم والشر والرذيلة والأوجاع، فيه استراحت الطرق وعابرو السبل ساروا في مسالك معوجة، كل واحد عمل ما حسن في عينيه. في ذلك العصر بدت راعوث في اشراقها البارع، والناس يتحسسون الظلام، نجمة متألقة تضيء الظلمة الساخنة العميقة، وعلمتنا أن الزهر النضير قد ينبت في الوحل، وأن الإيمان الباسق قد يترعرع في أرض الجحود والألحاد، وأن شهود الله الأمناء سيعترفون به ويحفظون الشهادة له في أتعس الظروف والآن أريد أن نتأمل راعوث من نواح ثلاث

: الفتاة وأمها الروحية:   الفتاة الجسورة الإيمان:    الفتاة التي نالت مكافأة عظيمة.
الفتاة وأمها الروحية

راعوث فتاة موآبية يظهر أنها كانت على حظ وفير من الجمال الذي يتيح لها فرصا متعددة للزواج، فنعمى كانت تعتقد أنها ستجد في موآب زوجًا آخر بعد وفاة زوجها محلون، وبوعز كان يؤمن أن حظها من الجمال سيتيح لها أن تجد بين شباب بيت لحم، الفقراء أو الأغنياء زوجاً، وهي فتاة على حظ وافر من الأخلاق، شهد أهل بيت لحم جميعًا لحلاوة سيرتها وتقاوتها، كما أنها شجاعة نادر المثال في شجاعتها، ألم تترك وطنها لتسير إلى أرض غريبة؟ وهناك تخلع عنها ثوب الراحة، فتناضل وتكافح لتجد لقمتها ولقمة حماتها، وهي أيضًا وديعة تنحني بكل تواضع أمام رقة بوعز وحنانه، كما ينبغي ألا ننسى أنها فتاة مخلصة ودود محبة،**

فتاة الإيمان الذي انتصر على الفقر
ماذا ستلاقي في أرض إسرائيل، وهل ستجد لقمتها ميسورة؟ قد يهون علينا أن نترك الوطن والأهل والصحاب، متى أمكننا الاعتقاد أن نجد في أرض الغربة العيش الهنيء والسعة المريحة... لكن راعوث تعلم أنها ستواجه هناك الفقر والمغبة والجوع، فحماتها لا تملك حطام الدنيا شيئاً مذكورًا، وعليها هي أن تناضل من أجل الحياة نضالاً يشق على الرجل ويصعب.. في الواقع ليس هناك ما يزعزع الإيمان ويبعث الاضطراب في النفس ويعثر الشركة مع الله كما يفعل الجوع، وما أصدق أجور بن متقية مسا وأعظمه دراية بالنفس البشرية حين صاح: «لا تعطني فقرًا ولا غنى أطعمني خبز فريضتي لئلا أشبع وأكفر وأقول من هو الرب أو أفتقر وأسرق واتخذ اسم إلهي باطلاً» إن قصة البؤساء لفيكتور هوجو تدور حول أثر الفقر في إذلال النفس وإسقاطها والجنوح بها تجاه الفساد والجريمة والشر.. لكن راعوث رغم شبح الجوع المخيف خطت بشجاعة إلى أرض إسرائيل

الإيمان الذي انتصر على حياة الترمل
إن أقوى دوافع المرأة جميعًا الحياة الزوجية، فهل فكرت راعوث أنها ستجد بعد وفاة زوجها رجلاً آخر في أرض إسرائيل؟ أغلب الظن أنها لم تفكر في ذلك، ونعمى في حديثها معها ومع عرفة، ساعة الوداع، أوصدت الباب بقوة أمام كلتيهما من هذا القبيل، لكن الفتاة كافحت هذا الدافع القوي، وآثرت حياة الترمل مع حماتها على الحياة الزوجية بين الأهل والأقارب والعشيرة. أظن أن هذه الفتاة وهي تسير في أرض الظلال والألم والظلام تكافح مالا يستطيعه إلا العتاه والجبابرة والأبطال صاحت من أعماق قلبها: «أيها الإله الذي جئت أحتمي تحت جناحيه: إن المستقبل مظلم قاس حالك أشد قتامًا من فحمة الليل، لا نجمة فيه أو نور أو رجاء... وأنت ملكي وإلهي وسيدي فلا تتركني! احفظني فأنا خائفة تعسة مشردة، لا أعرف في الدنيا سوى امرأة محطمة.. وإله إسرائيل العظيم الممجد

الإيمان الذي انتصر رغم موت زوجها

هي فتاة وثنية أخذ الله زوجها، وأخذه في ميعة الصبا وريعان الشباب، وتركها أرملة لم تهنأ بالحياة، فهل يستطيع الإيمان الصحيح أن يثبت؟ كاد إيمان جون برايت الخطيب الإنجليزي العظيم أن يضيع، وهو جالس إلى جانب زوجته المحتضرة، إذ عاد بذكراه إلى الأيام القصيرة الهانئة التي قضياها، وكيف أن الله سيحرمه من أجل سعادة تمتع بها،.. تينسون الشاعر الكبير، حين مات صديقه العزيز هتف به صوت محزن يدعوه إلى ترك الإيمان، لأنه يكاد يراها قسوة كبيرة من المولى أن يفقد صديقه... وكثيرون ضاع إيمانهم لأن يد القدير اشتدت عليهم وقصفت أعواد آمالهم من أبناء أو آباء أو أزواج، لكن راعوث فقدت زوجها، وفقدته شابًا، وعلاقتهما على ما يظهر من لغة الكتاب كانت صافية قوية حلوة. ومع ذلك لم ينحن إيمانها ولم يترنح أو يتبدد، ولعلها بذلك تنادي المحزونين جميعًا من أبناء الله وبناته ألا يفرطوا في أحزانهم بالكيفية التي تقلل من شركتهم مع الله.

المرأة التي نالت مكافأة عظيمة
تبدو أرض الإيمان أمام القدم التي تطأها حديثًا كأنما لا خضرة فيها أو ظل أو ماء، لكن ما أن يسير المرء فيها حتى يلمس الراحة والهدوء والغني والمجد... كانت الطريق في خطواتها الأولى أمام راعوث قفرا، ولكن ما أن بلغت بعضها حتى أحست كل شيء يتغير ويتبدل، وما أن انتهى بها المطاف إلى آخر الشوط حتى وقفت مشدوهة مذهولة.. إن راعوث اليوم في السماء تعرف عظم مكافأتها ومجدها.. وأظن هذه المكافأة ثلاثية:

مكافأة الخلاص
سارت عرفة شوطًا في طريق الخلاص ولكنها لم تتمه، إذ عادت إلى شعبها وإلهتها، تابعت النور مدى يسيرًا ثم عادت تغرق في الظلام والوثنية، ولعلها أقرب الكل إلى ذلك الشاب الغني الذي وقف على أبواب الملكوت ثم ارتد عنه حزينًا.. غير أن راعوث أتمت خلاصها، وركضت في السباق حتى بلغت جعالتها العليا.. وهل هو قليل أن ينتقل المرء من كوش إلى الإلة العلي، من الشيطان إلى المخلص.. من الحياة الباطلة الحقيرة إلى حياة النور والمجد والخلود.

مكافأة الزوج
تزوجت راعوث من بوعز، وبوعز فيما نعلم شخصية عظيمة جليلة، فهو رجل من أسياد قومه ينعته الكتاب بأجل النعوت وأبدعها.. فهو جبار بأس، ذو ثراء عريض، تقي، كريم، وديع النفس، واسع الحيلة... هذا الرجل ارتضى أن يقترن بالموآبية ليقيم نسلاً لقريبه الميت، ولاشك أن حياتها معه كانت نعيمًا مريحًا باذخا عريضًا.. ويكفي أن زواجهما أخذ منه الوعاظ مادة خصبة لاقتران المسيح بالكنيسة.

مكافأة النسل
ولدت راعوث عوبيد، وكان عوبيد جدًا للملك داود، ولسلسلة الملوك التي جاءت عنه، ولكن مكافأة راعوث لم تقف عند هذا الشأن فحسب بل تعدته إلى مدى سرمدي بعيد، إذ جاء من نسلها المسيح مخلص العالم.هذه هي الفتاة التي أدارت ظهرها لموآب، وسارت وراء إله إسرائيل، فكتب اسمها في سجل الخالدين، وهي الأممية الوحيدة التي أخذ سفرها مكانًا بين صفحات الكتاب... إنها تعلمنا أن أقل ما نقدم يصبح ثروة طائلة متى تسلمته يد الله، قال بطرس: «ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا، فقال لهم يسوع الحق أقول لكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضًا على إثنى عشر كرسيًا تدينون اسباط إسرائيل الأثنى عشر، وكل من ترك بيوتًا أو إخوة أو أخوات أو أماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً من أجل إسمي يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية».