مدن فى الكتاب المقدس ( بلاد مادى وفارس ) - Abahoor

مدن فى الكتاب المقدس ( بلاد مادى وفارس )


        مادي وفارس في تاريخ الكتاب المقدس
تتحدث عن مادي وفارس،‏ الدولة العالمية الرابعة في تاريخ الكتاب المقدس.‏ والهدف منها هو الاثبات ان هذا الكتاب جدير بالثقة وموحى به من الله وأن رسالته تبعث الرجاء بنهاية الآلام الناجمة عن تسلّط الانسان بوحشية على اخيه الانسان.‏
ان خرائب القصور والقبور الملكية ما هي إلّا لمحة عن عظمة وقوة وغنى امبراطورية مادي وفارس الثنائية في العالم القديم.‏ في البداية،‏ اي قبل اتحاد المملكتين،‏ كانت مادي هي المملكة المسيطرة.‏ لكن سنة ٥٥٠ ق‌م،‏ اخضع الملك الفارسي كورش الثاني الماديين وأصبح ملكا على الماديين والفرس.‏ واتسعت رقعة هذه الامبراطورية الواقعة شمال الخليج العربي،‏ فامتدت تخومها من بحر إيجه الى مصر وشمال غرب الهند،‏ بما في ذلك اليهودية.‏
فرضت مملكة مادي وفارس سيطرتها على الامة اليهودية اكثر من ٢٠٠ سنة،‏ من سقوط بابل سنة ٥٣٩ ق‌م حتى هزيمة مادي وفارس امام اليونان سنة ٣٣١ ق‌م.‏ وتأتي عدة اسفار في الكتاب المقدس على ذكر احداث مهمة حصلت في هذه الفترة.‏

تاريخ يخبرنا الكتاب المقدس ان الملك كورش الثاني حرر اليهود من الاسر في بابل وسمح لهم بالعودة الى اورشليم وإعادة بناء هيكل الله الذي دمَّره البابليون سنة ٦٠٧ ق‌م.‏ (‏عزرا ١:‏​١-‏٧؛‏ ٦:‏​٣-‏٥‏)‏ وتؤيد صحةَ هذه الرواية وثيقةٌ مسمارية معروفة بأسطوانة كورش نُبشت عام ١٨٧٩ في خرائب بابل القديمة.‏ فهذه الوثيقة تذكر كورش بالاسم وتصف سياسته التي قضت بإعادة الشعوب المسبية ومقدّساتهم الى اوطانهم.‏ وقد دوَّن اشعيا،‏ احد كتبة الكتاب المقدس،‏ كلمات يهوه النبوية عن كورش:‏ «‹كل مسرتي يتمم›،‏ بما في ذلك قولي عن اورشليم:‏ ‹سيُعاد بناؤها›،‏ وللهيكل:‏ ‹سيوضع اساسك›».‏ —‏ اشعيا ٤٤:‏٢٨‏.‏
وفي الواقع،‏ امر كورش ان تُعطى نفقات اعادة بناء الهيكل «من بيت الملك»،‏ حسبما ذكر عزرا ٦:‏​٣،‏ ٤‏.‏ وهذه العبارة اللافتة تنسجم مع التاريخ الدنيوي.‏ فكتاب الامبراطورية الفارسية والكتاب المقدس ‏(‏بالانكليزية)‏ يقول:‏ «انتهج الملوك الفرس سياسة ثابتة قضت بالمساهمة في ترميم المقادس المنتشرة في ارجاء امبراطوريتهم».‏
اضافة الى ذلك،‏ يخبرنا الكتاب المقدس ان بعض اعداء اليهود بعثوا برسالة الى داريوس الكبير (‏المدعو ايضا داريوس الاول)‏ تشكك في ادعاء اليهود ان كورش هو مَن أَذِن لهم بإعادة بناء الهيكل.‏ فأمر داريوس بالبحث عن المرسوم الاصلي المكتوب في هذا الشأن.‏ وبأية نتيجة؟‏ عُثر في العاصمة أكبتانا (‏احمثا)‏ على درج يتضمّن المرسوم الذي اصدره كورش.‏ فكتب داريوس:‏ «انا داريوس قد اصدرت الامر.‏ فلينفَّذ عاجلا [المرسوم بإعادة بناء الهيكل]».‏ وهكذا كفَّت الشعوب المجاورة عن مقاومة عمل البناء.‏ * —‏ عزرا ٦:‏​٢،‏ ٧،‏ ١٢،‏ ١٣‏.‏
يدعم التاريخ الدنيوي هذه التفاصيل.‏ فمن ناحية،‏ كانت أكبتانا مقر كورش الصيفي،‏ وفيها ربما اصدر المرسوم بإعادة بناء اورشليم.‏ ومن ناحية اخرى،‏ تظهر الاكتشافات الاثرية ان ملوك مادي وفارس اولوا المسائل الدينية داخل حدود الامبراطورية اهتماما بالغا وبعثوا برسائل لفضّ النزاعات.‏

نبواتفي حلم موحى به من الله،‏ رأى النبي دانيال اربعة حيوانات متتالية طالعة من البحر تمثِّل دولا عالمية متعاقبة.‏ كان الحيوان الاول اسدا مجنَّحا،‏ وقد مثَّل الامبراطورية البابلية.‏ أما الثاني فكان ‹شبيها بالدب›.‏ وتتابع الرواية:‏ «قيل له هكذا:‏ ‹قُم كُل لحما كثيرا›».‏ (‏دانيال ٧:‏٥‏)‏ ورمز هذا الدب المخيف الى مادي وفارس.‏
انسجاما مع هذه النبوة،‏ برز عند الماديين والفرس نهم للفتوحات لا يشبع.‏ فبعدما رأى دانيال الحلم بوقت قصير،‏ هزم كورش الماديين وشنَّ حربا على مملكتي ليديا وبابل المجاورتين.‏ ثم غزا ابنه قمبيز الثاني مصر.‏ وفي وقت لاحق،‏ واصل حكّام آخرون توسيع رقعة الامبراطورية.‏
ولكن كيف لنا ان نتيقن من صحة هذا التفسير؟‏ في رؤيا اخرى ذات علاقة،‏ رأى دانيال كبشا «ينطح غربا وشمالا وجنوبا».‏ وقد فسر ملاك الله هذه الرؤيا لدانيال قائلا:‏ «الكبش الذي رأيته ذا قرنين يمثِّل ملوك مادي وفارس».‏ وتمّت هذه النبوة عندما ‹نطحت› او ازاحت امبراطورية مادي وفارس امما اخرى،‏ بما في ذلك امة بابل القوية.‏ —‏ دانيال ٨:‏​٣،‏ ٤،‏ ٢٠‏.‏
يورد الكتاب المقدس نبوة اخرى لها علاقة بمادي وفارس.‏ فقبل قرنين تقريبا من سقوط بابل،‏ أنبأ النبي اشعيا باسم الملك الفارسي الفاتح قبل ولادته وبالاستراتيجية التي سيعتمدها في غزو المدينة.‏ فقد كتب اشعيا:‏ «هكذا يقول يهوه لمسيحه،‏ لكورش الذي أمسكت بيمينه لأُخضع امامه امما .‏ .‏ .‏،‏ لأفتح امامه المصاريع ولا تُغلَق البوابات».‏ (‏اشعيا ٤٥:‏١‏)‏ كما أنبأ هو وإرميا كلاهما بجفاف «انهار» بابل،‏ اي قنواتها التي شكَّلت خندقا مائيا دفاعيا يغذيه نهر الفرات.‏ (‏اشعيا ٤٤:‏٢٧؛‏ ارميا ٥٠:‏٣٨‏)‏ ويؤكد المؤرخان اليونانيان هيرودوتس وزينوفون دقة الكتاب المقدس النبوية،‏ بما في ذلك ان البابليين كانوا يقيمون وليمة صاخبة ليلة اخضع كورش المدينة.‏ (‏اشعيا ٢١:‏​٥،‏ ٩؛‏ دانيال ٥:‏​١-‏٤،‏ ٣٠‏)‏ وهكذا استطاع جنود كورش،‏ بعدما حوَّلوا مجرى نهر الفرات،‏ ان يدخلوا المدينة عبر البوابات المفتوحة على طول النهر دون مقاومة تُذكَر.‏ فسقطت بابل القوية في ليلة واحدة.‏                            

لا يزال قبر كورش قائما حتى يومنا هذا في خرائب مدينة باسارْغاديه القديمة في ايران

أدى هذا الحدث بدوره الى اتمام نبوة اخرى اتماما مذهلا.‏ فالنبي ارميا سبق فأنبأ ان شعب الله سيبقون مسبيين في بابل ٧٠ سنة.‏ (‏ارميا ٢٥:‏​١١،‏ ١٢؛‏ ٢٩:‏١٠‏)‏ وقد تمت هذه النبوة في الوقت المعين،‏ وسُمح للمسبيين بالعودة الى ارضهم.‏

رجاء يستحق ثقتك

بعد ان غزت مادي وفارس بابل بوقت قصير،‏ دوَّن دانيال نبوة تلقي الضوء على حدث بالغ الاهمية في تحقيق قصد الله للجنس البشري.‏ فقد أطلع الملاك جبرائيل دانيال بالضبط على زمن ظهور المسيَّا،‏ ‹النسل› الموعود به في تكوين ٣:‏١٥‏.‏ قال ملاك الله:‏ «من خروج الكلمة لرد اورشليم وإعادة بنائها الى المسيَّا القائد سبعة اسابيع واثنان وستون اسبوعا»،‏ اي ما مجموعه ٦٩ اسبوعا.‏ (‏دانيال ٩:‏٢٥‏)‏ فمتى بدأت هذه الفترة النبوية؟‏
صحيح ان كورش سمح لليهود بالعودة الى ارضهم بعيد سقوط بابل،‏ لكن اورشليم وأسوارها كانت لا تزال بعد سنوات طويلة بحاجة الى ترميم.‏ ثم في سنة ٤٥٥ ق‌م،‏ أَذِن الملك أرتحشستا لنحميا،‏ وهو يهودي شغل منصب ساقي الملك،‏ ان يعود الى اورشليم ويتولَّى عمل البناء.‏ (‏نحميا ٢:‏​١-‏٦‏)‏ وهذا ما وسم بداية الـ‍ ٦٩ اسبوعا.‏
الا ان هذه الاسابيع الـ‍ ٦٩ هي اسابيع من السنين لا اسابيع حرفية من سبعة ايام.‏ وفي الواقع،‏ تنقل احدى ترجمات الكتاب المقدس عبارة «سبعون اسبوعا» الى «سبعين مرة سبع سنوات».‏ * (‏دانيال ٩:‏​٢٤،‏ ٢٥‏،‏ الترجمة العربية الجديدة‏)‏ لذلك كان المسيَّا سيظهر بعد ٦٩ «اسبوعا» مؤلفا من ٧ سنوات،‏ اي بعد ٤٨٣ سنة.‏ وقد تمت هذه النبوة سنة ٢٩ ب‌م يوم معمودية يسوع،‏ بعد ٤٨٣ سنة بالضبط من سنة ٤٥٥ ق‌م.‏ *
ان الاتمام الدقيق لنبوة دانيال دليل آخر يُضاف الى الادلة الوافرة التي تثبت هوية يسوع.‏ وهذا الدليل يؤكد ايضا رجاءنا للمستقبل.‏ فيسوع،‏ ملك ملكوت الله السماوي،‏ سينهي الحكم البشري الظالم،‏ ثم يتمم العديد من نبوات الكتاب المقدس،‏ بما فيها قيامة الاموات الى حياة ابدية على ارض فردوسية.‏ —‏ دانيال ١٢:‏٢؛‏ يوحنا ٥:‏​٢٨،‏ ٢٩؛‏ رؤيا ٢١:‏​٣-‏٥‏.‏