مدن فى الكتاب المقدس ( مصر جـــ 2 ) - Abahoor

مدن فى الكتاب المقدس ( مصر جـــ 2 )



            مصر في تاريخ الكتاب المقدس
دُوّن الكتاب المقدس على مدى ١٬٦٠٠ سنة تقريبا.‏ ويرتبط تاريخه ونبواته بسبع دول عالمية هي:‏ مصر،‏ اشور،‏ بابل،‏ مادي وفارس،‏ اليونان،‏ روما،‏.‏ والتأمل في حقائق عن مصر،‏ اولى هذه الدول،‏ سيؤكد ان الكتاب المقدس جدير بالثقة وموحى به من الله وأن رسالته تبعث الرجاء بنهاية الآلام الناجمة عن حكم البشر الفاسد.‏

مصر الشهيرة بالاهرامات ونهر النيل هي اول دولة عالمية في تاريخ الكتاب المقدس.‏ ففي كنفها تشكّلت امة اسرائيل.‏ وفي اراضيها وُلد وتثقّف موسى كاتب الاسفار الخمسة الاولى في الكتاب المقدس.‏ ولكن هل يؤيّد التاريخ الدنيوي وعلم الآثار ما كتبه موسى عن تلك البلاد القديمة؟‏ لنتأمل في بعض الامثلة.‏

صنع اللِّبن.‏( الطوب الاخضر)
لا تزال مصر تستخدم اللِّبن المجفف تحت الشمس الذي يشكّل التبن احد مكوّناته
خلال العبودية في مصر،‏ كان الاسرائيليون يصنعون اللِّبن من الملاط (‏الطين)‏ المخلوط بالتبن الذي يساهم في تماسك المزيج.‏ (‏خروج ١:‏١٤؛‏ ٥:‏​٦-‏١٨‏)‏ * والجدير بالذكر ان كتاب المواد والصناعات في مصر القديمة ‏(‏بالانكليزية)‏ اورد منذ سنوات:‏ «قليلة هي الاماكن التي نشط فيها [صنع اللِّبن] اكثر من مصر،‏ حيث كان وما زال اللِّبن المجفف تحت الشمس مادة البناء التي يمتاز بها البلد».‏ وتطرّق الكتاب ايضا الى «عادة استعمال المصريين التبن في صنع اللِّبن»،‏ مؤكدا بالتالي صحة هذا التفصيل الاضافي المسجّل في الكتاب المقدس

مرآة وموسًى هما جزء من عدة حلاقة مصرية.‏
اعتاد الرجال العبرانيون في الازمنة القديمة ان يطلقوا لحاهم.‏ لكنّ الكتاب المقدس يخبرنا ان يوسف حلق ذقنه قبيل مثوله امام فرعون.‏ (‏تكوين ٤١:‏١٤‏)‏ ولمَ فعل ذلك؟‏ مراعاة للعادات وآداب السلوك المصرية التي اعتُبر بموجبها شعر الوجه دليلا على القذارة.‏ يروي كتاب الحياة اليومية في مصر القديمة ‏(‏بالانكليزية)‏ ان المصريين «كانوا يتباهون بذقونهم الحليقة».‏ وفي الواقع،‏ اكتُشفت في القبور ادوات حلاقة تضم مواسي وملاقط ومرايا مع علبها.‏ فمن الواضح ان موسى كان مؤرخا شديد العناية بالتفاصيل.‏ ويصح الامر عينه في غيره من كتبة الكتاب المقدس الذين وثّقوا احداثا مرتبطة بمصر القديمة.‏

المسائل الحربية‏.‏
يأتي ارميا وعزرا على ذكر غزو يهوذا بقيادة الفرعون شيشق محددَين تاريخ حدوثه «في السنة الخامسة للملك رحبعام [ملك يهوذا]»،‏ اي سنة ٩٩٣ ق‌م.‏ (‏١ ملوك ١٤:‏​٢٥-‏٢٨؛‏ ٢ اخبار الايام ١٢:‏​١-‏١٢‏)‏ وعلى مر فترة طويلة من الزمن،‏ بقي الكتاب المقدس المرجع الوحيد الذي يتحدث عن هذا الغزو الى ان اكتُشف نقش ناتئ على حائط معبد مصري في الكرنك (‏طيبة القديمة)‏.‏
ويصوّر هذا النقش شيشق واقفا امام الاله آمون وذراعه مرفوعة فيما يضرب الاسرى بعنف.‏ كما يتضمن اسماء المدن والبلدات الاسرائيلية المهزومة التي قُرن العديد منها بمواقع في الكتاب المقدس.‏ علاوة على ذلك،‏ يشير النقش الى «حقل أبرام»،‏ وهو اقدم ذكر للاب الجليل ابراهيم في السجلات المصرية.‏ —‏ تكوين ٢٥:‏​٧-‏١٠‏.‏

النشاطات التجارية.‏كشف ارميا،‏ كاتب سفرَي الملوك،‏ تفاصيل محددة حول تجارة الملك سليمان بالخيل والمركبات مع المصريين والحثيين.‏ فالكتاب المقدس يخبرنا ان العربة كانت تثمَّن «بست مئة من الفضة،‏ والفرس بمئة وخمسين»،‏ اي ربع ثمن العربة.‏ —‏ ١ ملوك ١٠:‏٢٩‏.‏

نبوات موثوق بهاوحده يهوه الله مؤلّف الكتاب المقدس قادر على التفوّه بنبوات تتم بحذافيرها.‏ لاحظ مثلا ما اوحى الى ارميا ان ينبئ به عن المدينتين المصريتين ممفيس وطيبة.‏ في الماضي،‏ كانت ممفيس،‏ او نوف،‏ مركزا تجاريا وسياسيا ودينيا بارزا.‏ مع ذلك،‏ قال الله عنها:‏ «نوف تصير مثار دهشة وتُحرق،‏ فتكون بلا ساكن».‏ (‏ارميا ٤٦:‏١٩‏)‏ وهذا ما جرى تماما.‏ يذكر كتاب على خطى المشترع موسى ‏(‏بالانكليزية)‏ ان الغزاة العرب نهبوا «الخرائب الضخمة في ممفيس» وحوّلوها الى مقلع.‏ ويتابع قائلا:‏ «ضمن محيط المدينة القديمة لا يوجد [اليوم] اي حجر ناتئ فوق التربة السوداء».‏
وكذلك الامر بالنسبة الى طيبة المدعوة سابقا نو آمون او نو.‏ فقد عانت المصير عينه هي وآلهتها العاجزة.‏ قال يهوه عن هذه المدينة التي كانت ذات يوم عاصمة مصر ومركزا رئيسيا لعبادة الاله آمون:‏ «هأنذا افتقد آمون .‏ .‏ .‏ وفرعون ومصر وآلهتها .‏ .‏ .‏ وأجعلهم في .‏ .‏ .‏ يد نبوخذرصر،‏ ملك بابل».‏ (‏ارميا ٤٦:‏​٢٥،‏ ٢٦‏)‏ وإتماما للنبوة،‏ انتصر الملك البابلي على مصر ومدينتها الشهيرة نو آمون.‏ ولاحقا،‏ بعد ان سدّد الحاكم الفارسي قمبيز الثاني ضربة اخرى الى المدينة سنة ٥٢٥ ق‌م،‏ تدهورت احوالها باطّراد الى ان دمّرها الرومان شر تدمير.‏ نعم،‏ ان نبوات الكتاب المقدس تسمو به الى مصاف لا يرقى اليها ايّ مؤلَّف آخر،‏ ما يبني ثقتنا بما يقوله عن مستقبلنا

لوح مرنبتاحعام ١٨٩٦،‏ اكتشف علماء الآثار في معبد مصري لدفن الموتى ما يسمّى لوح مرنبتاح.‏ ويفاخر هذا اللوح الغرانيتي الاسود بإنجازات الملك المصري مرنبتاح الذي يُعتقد انه حكم في اواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد.‏ وقد نُقشت على هذا اللوح ترتيلة تقول جزئيا:‏ «أُعدم اسرائيل بحيث زال نسله».‏ وهذه هي المرة الوحيدة المعروفة التي يُشار فيها الى اسرائيل في النصوص المصرية القديمة،‏ كما انها اقدم مرجع يتحدث عن هذا الشعب باستثناء الكتاب المقدس.‏
وقد صُنع هذا اللوح خلال زمن القضاة،‏ حقبة من تاريخ الكتاب المقدس موثّقة في سفر اسمه «القضاة».‏ ولكن على خلاف سجلات الفراعنة التاريخية التي تنوّه بأمجادهم،‏ يروي هذا السفر بطولات الاسرائيليين وإخفاقاتهم على حد سواء.‏ ويرد مثال على تقصيراتهم في قضاة ٢:‏​١١،‏ ١٢ التي تقول:‏ «فعل بنو اسرائيل الشر في عيني يهوه وخدموا اوثان البعل [آلهة كنعانية].‏ وتركوا يهوه .‏ .‏ .‏ الذي اخرجهم من ارض مصر».‏ وهذه الشفافية في الكتابة تميز كامل الكتاب المقدس.‏
ان النبوة الاولى المسجلة في الكتاب المقدس كتبها موسى خلال حكم الدولة العالمية المصرية.‏ * وتروي هذه النبوة في التكوين ٣:‏١٥ ان الله سيأتي بـ‍ «نسل»،‏ او ذرية،‏ يسحق الشيطان و «نسله»،‏ اي من يتبنون طرقه الشريرة.‏ (‏يوحنا ٨:‏٤٤؛‏ ١ يوحنا ٣:‏٨‏)‏ وقد تبين ان «نسل» الله الرئيسي هو المسيّا يسوع المسيح.‏ —‏ لوقا ٢:‏​٩-‏١٤‏.‏
وسيسود حكم المسيح الارض بأسرها مزيلا كل الشرور والحكومات البشرية الظالمة.‏ وعندئذ لن «يتسلّط انسان على انسان لأذيته».‏ (‏جامعة ٨:‏٩‏)‏ وعلى غرار يشوع قديما الذي قاد اسرائيل الى ارض الموعد،‏ سيقود يسوع بأمان ‹جمعا كثيرا› من البشر الخائفين الله الى «ارض موعد» اعظم بكثير،‏ الارض التي ستُطهّر وتتحول الى فردوس رائع.‏ —‏ رؤيا ٧:‏​٩،‏ ١٠،‏ ١٤،‏ ١٧؛‏ لوقا ٢٣:‏٤٣‏.‏
وهذا الرجاء الثمين يستحضر الى اذهاننا نبوة اخرى سُجّلت في زمن مصر القديمة.‏ ففي ايوب ٣٣:‏​٢٤،‏ ٢٥‏،‏ تذكر هذه النبوة ان الله سيخلّص الناس من «الحفرة»،‏ اي القبر،‏ بواسطة القيامة.‏ نعم،‏ فضلا عن الناجين من دمار الاشرار القادم،‏ هنالك ملايين من الاموات الآن سيُعادون الى الحياة بأمل العيش الى الابد في الفردوس على الارض.‏ (‏اعمال ٢٤:‏١٥‏)‏ تقول الرؤيا ٢١:‏​٣،‏ ٤‏:‏ «ها خيمة الله مع الناس ‏.‏ .‏ .‏ وسيمسح كل دمعة من عيونهم،‏ والموت لا يكون في ما بعد،‏ ولا يكون نوح ولا صراخ ولا وجع في ما بعد».‏