القديس باسيليوس الكبير - Abahoor

القديس باسيليوس الكبير


                القديس باسيليوس الكبير                                                                                            
والدته ونشأته
ولد في قيصرية قبدوقية عام 329 من أسرة تضم عددًا من الشهداء سواء من جانب والده أو والدته. فوالد باسيليوس كان يدعى أيضاً باسيليوس وقد احتملت والدته القديسة ماكرينا (جدة باسيليوس) اتعاباً كثيرة في أيام مكسيميانوس الثاني بسبب تمسكها بالإيمان، وبقيت حياتها نموذجًا للحياة الإيمانية والشهادة للمسيح، أما والدته إميليا فقد مات والدها شهيدًا.

كان لعائلة باسيليوس أحد عشرة طفلاً، ستة بنين وخمس بنات، وكان هو أكبر البنين، وقد مات أخ له في طفولته المبكرة وآخر في شبابه (نقراطيوس)، بينما سيم الثلاثة الآخرين أساقفة: باسيليوس أسقف قيصرية، غريغوريوس أسقف نيصص، وبطرس أسقف سبسطية، أما أكبر الكل فهي شقيقته ماكرينا، التي دعيت على اسم جدتها، والتي عاشت حياةً تعبدية، فتأثر بها إخوتها من ضمنهم باسيليوس والذي تأثر أيضاً بوالده. تربى باسيليوس على يديّ جدته ماكرينا في قرية في منطقة (أنيسى) بهذه المنطقة شّيدت أمه أميليا هيكلًا على اسم الأربعين شهيدًا الذين استشهدوا في سبسطية.

أُرسل في سن مبكرة إلى مدرسة قيصرية قبدوقية، وهناك تعّرّف على أشخاصٍ من بينهم القديس غريغوريوس النزينزي، وقد لفتت شخصيته أنظار الكثيرين وهو بعد صبي لنبوغه وسلوكه. ثم انتقل إلى القسطنطينية حيث درس البيان والفلسفة، ثم ارتحل بعد خمس سنوات (سنة 351 م) إلى أثينا ليكمل دراسته، إذ أمضى قرابة خمسة أعوام هناك، حيث كان قد سبقه إليها صديقه غريغوريوس النزينزي. وقد سجل لنا الأخير الكثير عن القديس باسيليوس، مُظهراً كيف سبقته شهرته إلى أثينا. عاش الاثنين في مدينة أثينا بصداقة حميمة. وهناك التقيا بيوليانوس الذي صار فيما بعد إمبراطوراً. احب باسيليوس كل العلوم: الفصاحة والبيان والفلسفة والفلك والهندسة والطب، لكن هذا لم يبعده عن الروحية التي كان يشتاق اليها اكثر من كل هذه العلوم.

وفي عام 356 عاد إلى وطنه بعد محاولات فاشلة من أصدقائه وتلاميذه بأثينا لاستبقائه، وفي قيصرية عمل بتدريس البيان لمدة عامين تقريباً بنجاح كبير.

رهبنته وقوانينه:
نحو عام 358 إذ كان دون الثلاثين، انطلق باسيليوس يبحث عن النساك في الإسكندرية وصعيد مصر وفلسطين وسوريا وما بين النهرين، فأُعجب جدًا بحياتهم، خاصة رهبان مصر، فعاد الى وطنه يبحث عن مكان! وبعد جهداً اختار أيبورا الواقعة على ضفة نهر إيريس مقابل أنيسي حيث أنشأت أخته ماكرينا ديرها الذي عُرف بجمال الطبيعة مع السكون. فكتب عن الحياة الجديدة هكذا: "ماذا أكثر غبطة من مشابهة الملائكة على الأرض؟ في بدء النهار ينهض الإنسان للصلاة وتسبيح الخالق بالتراتيل والأغاني الروحية، ومع شروق الشمس يبدأ العمل مصحوباً بالصلاة.

فقد حصر باسيليوس اهتماماته في أربعة اشياء: الاختلاء، الصلاة الممتزجة بالنشيد والتسبيح، قراءة الكتاب المقدّس وكتب الآباء والتأمل. وعندما لاحظ باسيليوس ان الحياة الجماعية في مصر وفلسطين وسوريا قد طغت عليها حياة العمل والنشاط الخارجي على حساب التأمل والصلاة، قام بوضع قوانين وانظمة لفرع الرهبان الذي انشائه في قبدوقية وهذه الانظمة كانت تَجمع بين الصلاة والعمل، فاعتبر بذلك مُشَرِّعاً رهبانياً كبيراً ومنه اخذَت معظم الرهبانيات الشرقية نهجها، بل ان القديس بندكتوس نفسه منشئ الرهبانية في الغرب مدين له بنقاط كثيرة.

هذا وقد اعاد صياغة بعض الصلوات الرهبانية اليومية، فقسمها الى سبع مراحل: نصف الليل، السحور، الساعات الثالثة، والسادسة، والتاسعة، الغروب والنوم. ولقد تبناها في الغرب القديس بندكتوس. الى جانب ذلك وضع الليتورجيا المعروفة باسمه والتي استوحى الكثير منها من الطقس الانطاكي، ولقد اعتمدتها معظم الكنائس الشرقية على اختلافها مع تعديلات بسيطة واضافات طرأت عليها بمرور الوقت.

دعوته الكهنوتية:
قيل عن باسيليوس أنّه صار قارئاً في عام 359 وشماساً سنة 360 بيد أساقفة ديانوس، وربما لاونديوس. على أن ثمة من يذكر أن الذي سامه شماساً كان القدّيس ملاتيوس الإنطاكي. ثم رسمه أوسابيوس القيصري كاهناً سنة 362 أو 363، ولكن علاقته باٍلأساقفة كثيراً ما كانت موجِعة. ديانوس الضعيف وقع دستور إيمان هرطوقياً فقطع باسيليوس الشركة معه لبعض الوقت. وأوسابيوس الذي سامه كاهناً اصطدم به عدة مرات، وهذا الأخير كان موظفاً قبل أن يصير أسقفاً. وكان كثير الاهتمام باللياقات والاستقبالات. لذلك كان الرجلان يتجادلان باستمرار. الغيرة استبدّت بالأسقف إلى حد أنّه لم تعد تُعرَف أسباب الخلاف بينهما. فعاد باسيليوس إلى إيبورا. وقد راودته فكرة الوقوف في وجه الأسقف، وحتى مقاومته، لكن كان لصديقه غريغوريوس اللاهوتي دور المهدئ فسكت ولو على مضض. وما لبث أفسافيوس الأسقف أن استدعى باسيليوس من جديد لحاجته إليه إثر تولي والنس الآريوسي السلطة (365). فتوسط غريغوريوس اللاهوتي وكتب لباسيليوس قائلاً: «عجل بالرجوع إلى قيصرية. الأسقف يبدي نحوك العواطف الكريمة المتوسلة… أعداء الإيمان القويم ينشطون…. الحقيقة في خطر».

مجاعة ومرض:
سنة 368، عندما كان باسيليوس كاهناً، حلّت بقيصرية عواصف البرد ثم جاء الطوفان. ثم الهزات الأرضية. فالجفاف. باسيليوس تحدث عن الطوفان الذي تخطى كلّ الحدود. شحت المواد الغذائية وانقطع الاتصال بالمقاطعات المجاورة فحصلت المجاعة. وهنا باع باسيليوس كل ما يمكن بيعه من أملاك تركها له والداه واشترى بثمنها طعاماً للجائعين. نظم مخزناً شعبياً جمع فيه ما تيسرّ له من أغذية وثياب. أخذ يوزعها بنفسه على البائسين والفقراء والمسنين. كان يطعم الجائعين بيديه ويغسل أقدامهم ويطوف على المرضى والمحتاجين بثيابه السميكة المغبرة في عز حر شهر آب. كذلك رفع صوته في مواعظ ألهبت النفوس أكثر مما ألهبت الشمس الأبدان. كثيرون فتحوا مخازنهم وبيوتهم على الأثر. وإلى تلك الفترة تعود أهم مواعظه في شأن العناية بالفقراء

اسقفيته ونضاله:
توّفي أوسابيوس سنة 370 وانطرح موضوع خلافته. وحميت المعركة. الآريوسيون كانوا أقوياء، والفريق الأرثوذكسي مشتت. فأرسل باسيليوس الذي كان هو المدبر الفعلي للإيبارشية إلى غريغوريوس النزينزي بحجة اعتلال صحته، وكان قصده أن يرشحه للأسقفية، وإذ بدأ رحلته نحو باسيليوس أدرك حقيقة الموقف فقطع رحلته وعاد إلى نزنيزا، وأخبر والده غريغوريوس الشيخ، الذي لعب دوراً بارزاً لصالح باسيليوس حيث تهافت الأساقفة من كلّ صوب وغريغوريوس الشيخ، رغم سنّه ومرضه، تمكّن من استقطاب العديدين. وثمة ما يوحي أن أساقفة من خارج حدود المتروبوليتية اشتركوا في اختيار رئيس الأساقفة الجديد. إحدى النقاط على باسيليوس كانت أنّه مريض. فسأل غريغوريوس المعارضين: ما المطلوب؟ أسقف أم مصارع! ثم القدّاسة واعتلال الصحة يسيران يداً بيد!

أخيراً نجح باسيليوس، ربما بفضل أصوات غريغوريوس الشيخ وابنه غريغوريوس في ربح المعركة، فكانت لسيامته الاسقفية في 370م اثر كبير في قيصيرية فقد ارسل البابا أثناسيوس تهنئة بسيامته، كما فرح كل الأرثوذكس، أما الإمبراطور فالنس الأريوسي فحسب ذلك صدمة خطيرة له وللأريوسية.

صراعه مع السلطة:
بقي الصراع بين القدّيس باسيليوس ووالنس الإمبراطور الآريوسي خفياً لبعض الوقت. ثم في عام 371م أصدر الإمبراطور مرسوماً بتجزئة قيصرية إلى قيصرية الأولى وقيصرية الثانية. همّه كان إضعاف باسيليوس، لا بل سحقه. لهذا فقد باسيليوس العديد من أساقفته بعد أن كانت قيصرية تعد خمسين أسقفاً وتمتّد ولايتها على إحدى عشرة مقاطعة. وقد رد باسيليوس على ذلك بأن رفع عدداً من كنائس القرى إلى أسقفيات وجعل عليها بعضاً من المقرّبين إليه أمثال صديقه غريغوريوس وأخيه غريغوريوس النيصصي. وقد كانت المعركة على أشدها ضده إذ كان عليلاً طريح الفراش شهرين من الزمن يشكو الغثيان والأوجاع.

المدينة الباسيلية:
من الأعمال التي قام بها باسيليوس الاسقف، المدينة الباسيلية عند مدخل مدينة قيصرية. هذا المشروع كان مجمعاً ضخماً ضم مستشفى ومدارس مهنية ودوراً للأيتام وملاجئ للبرص ودور استراحة وكنائس، عدا بيوت الأطباء والعاملين فيها. كانت الباسيلية مدينة للفقراء والمرضى والمحتاجين. القدّيس باسيليوس وظف، معلوماته الطبّية التي سبق له أن حصل عليها في أثينا. وقد ورد أنّه كان يضم البرص إلى صدره.

محاولة نفيه:
بالرغم من الوفاق الظاهري بين الإمبراطور فالنس والاسقف باسيليوس فإن رفض الأخير قبول الأريوسيين في شركة الكنيسة أدى إلى اقتناع الإمبراطور أن نفي باسيليوس ضروري لسلام الشرق. إذ أُعدت المركبة لرحيله ليلًا بعيدًا عن الأنظار ولكن مرض غلاطس بن فالنس فجأة، واصرار أمه دومينيكا أن يبقى باسيليوس وطلب الإمبراطور من الأسقف أن يصلي لوحيده ليشفى، على شرط أن يكون عماده بيدٍ أرثوذكسية، وبالفعل شُفيّ لكنه حنث بوعده إذ عمده أسقف أريوسي فمات في نفس اليوم. مرة أخرى استسلم الإمبراطور لضغط الأريوسيين، وإذ كان يكتب أمر النفي قُصف القلم أكثر من مرة في يده المرتعشة فخاف.

وفاته:
لازم المرض باسيليوس منذ طفولته، وكان يشتد عليه خاصة في السنوات الأخيرة. ففي سن الخامسة والأربعين دعي نفسه "عجوزًا"، وفي الشهر الاول من عام 379 سُمع يخاطب الله، قائلًا: "بين يديك أستودع روحي" وفي الحال أسلم الروح عن عمر يناهز الخمسين.

مؤلفاته:

قام باسيليوس بتأليف العديد من الكتب والرسائل بلغة واسلوب علمي ولاهوتي ويمكن تقسيم مؤلفاته إلى: دفاعية وعقائدية وخطابية ونسكية وليتورجيا، فضلا عن رسائل عديدة.

المؤلفات الدفاعية: منها كتاب إلى الشباب وهو عبارة عن محاضرتين وجّههما إلى شباب قبدوقية عندما منع الإمبراطور يوليان من إعطاء دروس في المدارس العامة في علم (اللغة أو الكلام) والخطابة والفلسفة.

المؤلفات التفسيرية: لا شك أن كتابة (ستة أيام الخلق ) يمكن أن يدرج هنا لكنه من الكتب الدفاعية. هناك خِطب أخرى تفسيرية تشرح المزامير وضعها عندما كان كاهناً. يتحدث باسيليوس في خطبته الأولى عن أهمية شعر المزامير. هناك ايضاً تفسير لسفر إشعيا النبي.

المؤلفات العقائدية: بعد مشاركة افنوميوس في مجمع قسطنطينية 360 الذي حضره باسيليوس عندما كان شماساً وضع افنوميوس دفاعاً ينطلق من المفاهيم الأرسطية الخاصة بجوهر الكائنات ووصل إلى النتيجة التي تقول أن الجوهر الإلهي يتمثل (يصبح مماثلاً) لعدم الولادة وأن جوهر الابن المولود مخالف لجوهر الآب. وفي عام 364 كتب باسيليوس داحضا استنتاجات افنوميوس وفرضياته الخاصة بقدرة الإنسان في الولوج إلى جوهر الله غير المدرك. وبعد أربع سنوات كتب افنوميوس دفاعاً ضد دفاع باسيليوس لكن باسيليوس كان في آخر أيامه فتولى أخوه غريغوريوس الردّ عليها.

المؤلفات الخطابية: هناك نحو 25 خطبة أصلية معظمها ذات محتوى خلقي أهمها خطبة (احترس لنفسك) ملخصها أنه عندما ننتبه لأنفسنا ننتبه لله. وخطبة أخرى بعنوان (الله ليس سبباً للشرّ) يؤكد فيها أن الشرّ ليس موجوداً من الناحية الكيانية .

المؤلفات الليتورجية: يؤكّد غريغوريوس اللاهوتي أن باسيليوس وضع نظماً للصلاة. كما ان هناك الليتورجيا المعروفة باسمه والتي تستخدم في طقس بعض الكنائس الشرقية.

المؤلفات النسكية: أهم المؤلفات هي القوانين النسكية الموضوعة تحت شكل سؤال وجواب. القوانين المطوٌلة في 55 فصل تبحث في مسلٌمات الحياة النسكية وفي ممارساتها من محبة وطاعة وإمساك. أما القوانين الموجزة فهي مؤلفه من 313 فصل تسعى إلى تطبيق الخطوط الرئيسة المعطاة في القوانين المطولة وإلى الإجابة عن كل مسألة صغيرة وخاصة.

الرسائل المتنوعة: مجموعة رسائله لها أهمية موازية لأهمية أهمّ أعماله وابتدأ الجمع لهذه الرسائل منذ أيام غريغوريوس اللاهوتي الذي جمع قسماً منها لذلك نرى مجموعة مهمة من المختارات من القرن الخامس. حالياً هناك ما يقارب 366 رسالة وهي من الوثائق المهمة الفريدة من نوعها في الكنيسة الشرقية لأن باسيليوس وجهها إلى شخصيات مختلفة وكتب لهم مواضيع شتى وهي تتنوع من رسائل توصية إلى مقالات لاهوتية وتنظيمية.