: يرون في الآيات التي تصف الله بأنه "ندم" تناقض مع قول نفس الوحي عن الله:
"29 وَأَيْضًا نَصِيحُ إِسْرَائِيلَ (أي الله) لاَ يَكْذِبُ وَلاَ يَنْدَمُ، لأَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَانًا لِيَنْدَمَ" 1 صموئيل 15.
فكيف يقول الكتاب عن الله أنه ندم، وفي نفس الوقت، أنه لا يندم كالبشر؟؟
الرد: إن الناقد لا يميز بين أمرين هامين جدًا، من جهة شخصية الله!! الأول، هو تراجع الله في مجازاته للإنسان بحسب تغيير سلوكه، وهذا أمر طبيعي؛ والثاني هو تراجع الله عن أمور تعكس تغيير في شخصيته، وصفاته وعدالته؛ وفي هذا، الله لا يمكن أن يندم ولا يتراجع أبدًا. لذلك عندما نتعرض لنص يذكر كلمة "نيحَم"، يجب أن نميِّز عن ماذا يتكلم الوحي عندما يقول أن الله لا يندم كالبشر، وعن ماذا يتكلم عندما يقول أن الله يندم أو يتراجع.
الأول، تراجع الله في مجازاته للإنسان بحسب تغيير سلوكه:
إن مجازات الله للإنسان متغيرة وذلك بسبب تغيير أفعاله، وهذا أمر طبيعي وبديهي؛ فحينما ينقلب سلوك البشر من الصالح للطالح، الله يتراجع في بركاته على الإنسان، ويبدأ حالة تأديب وعقاب له، لأنه يحبه ويريد أن يغيره لئلا يَهلَك. وعندما يتغير قلب الإنسان ويتوب، يتراجع الله عن التأديب الذي أنزله به، ويرجع بيد البركة والنعمة عليه. إن هذا يشكل معنى جميع الآيات التي تعرض عبارة "ندم الله"؛ فهي تتكلم عن تراجع الله عن عقابه للبشر الخطاة، عندما يتوبون. وهذا المفهوم يتلخص بوضوح في الآيات التالية التي قالها الله على فهم نبيه إرميا، ليعلن عن طبيعته لنا:
"7 تَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْقَلْعِ وَالْهَدْمِ وَالإِهْلاَكِ، 8 فَتَرْجعُ تِلْكَ الأُمَّةُ الَّتِي تَكَلَّمْتُ عَلَيْهَا عَنْ شَرِّهَا، فَأَنْدَمُ (فِنَحَمْتي) عَنِ الشَّرِّ الَّذِي قَصَدْتُ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهَا 9 وَتَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، 10 فَتَفْعَلُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، فَلاَ تَسْمَعُ لِصَوْتِي، فَأَنْدَمُ (فِنَحَمْتي) عَنِ الْخَيْرِ الَّذِي قُلْتُ إِنِّي أُحْسِنُ إِلَيْهَا بِهِ" إرميا 18.
إذًا هذا التراجع، هو شيء ضروري لله، لأنه المسؤول على إدارة الكون الذي نعيش فيه، لكي يقوِّم ويُصحِّح سلوك البشر على الأرض، ليهديهم لطريقه الصحيح.
الثانية، عدم تراجع الله إطلاقًا عن أشياء تختص بطبيعته ومبادئه وحكمه: إن الله لا يتراجع عن صفاته ومبادئه وحكمه النهائي العادل أبدًا، لأنه إله كامل. فلا يوجد استئناف أو تغيير أو رجوع عن أحكمام الله! لأن الكامل لا يبالغ، أو يخطئ أو يعطي أنصاف حلول أو ما شابه ذلك!!
"19 لَيْسَ اللهُ إِنْسَانًا فَيَكْذِبَ، وَلاَ ابْنَ إِنْسَانٍ فَيَنْدَمَ. هَلْ يَقُولُ وَلاَ يَفْعَلُ؟ أَوْ يَتَكَلَّمُ وَلاَ يَفِي؟" العدد 23.
إن خلفية النص هي، أن ملك موآب بالاق بن صفورة، دعا بلعام بن بعور، وطلب منه أن يلعن شعب إسرائيل. فقال له بلعام أنه سوف لا يلعن الشعب، بل سيقول ما يأمره به الرب؛ وكانت النتيجة أن بلعام بارك شعب إسرائيل بدلاً من أن يلعنه، لأنه هكذا أمره الله. وبعدها أخذه بالاق إلى مكان آخر، ظنا منه أنه بتغيُّر المكان سيتغير قول الله! وطبعًا لم يتغير قول الله، لهذا يقول بلعام لبالاق الآية أعلاه، أن الله ليس مثل إنسان ليرجع برأيه "يندم"، ويغير آرائه ومواقفه الخلقية! فمواقف الله كاملة وثابتة لا يمكن أن يتغير بها! لأن تغييرها يضرب بكماله عرض الحائط. وقانونه هو أن التقي يستحق البركة، فلا يمكن أن يغير الله قانونه كالبشر أبدًا؛ فيفسر الوحي الآية أعلاه، بعدها بعددين، فيقول: "21 لَمْ يُبْصِرْ إِثْمًا فِي يَعْقُوبَ، وَلاَ رَأَى تَعَبًا فِي إِسْرَائِيلَ. الرَّبُّ إِلهُهُ مَعَهُ، وَهُتَافُ مَلِكٍ فِيهِ" )العدد 23( فكيف يلعن الله إسرائيل، وهو لم يرى إثمًا فيه في ذلك الوقت!!؟؟
0 التعليقات:
التعبيرات