دراسات كتابية
سفر عاموس
1. إن نبوة عاموس هي الأولى من الأسفار النبوية وتاريخها يرجع إلى سنة 760 ق.م. وعاش عاموس النبي في أيام عزيا ملك يهوذا ويربعام الثاني ملك إسرائيل قبل حدوث الزلزلة المشهورة (1:1 + 9:5) والتي أشار إليها زكريا النبي بعد 300 سنة (زك5:14) وقد عاصره هوشع وإشعياء إلاّ أن عاموس سبقهما وعاصره كذلك يونان النبي (2مل25:14).
2. معنى اسمه "ثقل" أو "حامل الثقل" ويقول التقليد اليهودي أنه كان ثقيل اللسان، يتلعثم في كلماته. ولعل اسمه يتناسب مع السفر، فقد كشف عن ثقل الخطية التي لا يحتملها الله ولا يطيقها. وقد نفهم أن الإعلانات التي أعلنت لهُ عن خطايا شعبه والتأديبات الآتية عليهم كانت تمثل ثقلًا بالنسبة له. ولذلك يسمونه نبي الويلات. وعمومًا فكلمة وحي في اللغة العبرانية تعني ثقل. وهو يتحدث عن دينونة الله لإسرائيل ولكل الأمم بسبب الخطية.
3. عاش في تقوع على بعد حوالي 12ميلًا جنوب أورشليم في وسط أسرة مجهولة وفقيرة كراعٍ للغنم (7:1) وجاني جميز (14:7) ولم يكن شخص شهير. وهو قد ذهب إلى بيت إيل حيث الهيكل الرئيسي لمملكة إسرائيل (المملكة الشمالية) فهو وإن كان من يهوذا المملكة الجنوبية، إلاّ أنه كان نبيًا مرسلًا لإسرائيل المملكة الشمالية، وتحدث عن خرابها بسبب خطاياها الأمر الذي أثار الكاهن الأول لبيت إيل "أمصيا" فقدم عنه تقريرًا ليربعام الثاني ملك إسرائيل عن أنه خائن وأمره بترك المدينة. ومماّ يدل على شجاعة عاموس أنه شهد للحق أمام أمصيا، وتنبأ بخراب بيته بالرغم من قوة أمصيا لالتصاقه بالملك.
4. عمله كراعٍ وجاني جميز أعطاه فرصة للحياة التأملية، مقدمًا صورًا كثيرة من الواقع الذي عاشه بروح ملتهب. ويقول أمصيا في تواضع أنه راعٍ وجاني جميز، فأخذني الرب من وراء الضأن (14:7، 15) كأن الله اختاره للنبوة وهو غير مستحق لذلك.
5. كان يتردد على مدن إسرائيل ليبيع الصوف، ويلاحظ الأمور السياسية والدينية وتأثر ممّا رآه فيها من الشرور والانحطاط. وكان هذا الوقت وقت نجاح زمني. فكان عزيا ملك يهوذا غنيًا وقويًا، وأمتد لمدخل مصر (2أي8:26). وكان يربعام ملك إسرائيل مقتدرًا في الحرب ورد تخم إسرائيل من مدخل حماة إلى بحر العربة (2مل25:14) وبيده خلَّص الرب شعبه إسرائيل. ولكن هذا الزمن كان زمن ظلم ورياء وفساد وتمسك بطقوس ومظهريات الدين دون جوهره. وكان عاموس كلوط البار يعذب نفسه البارة بما ينظر ويسمع، من سيرة الأردياء. فشهد عليهم وكلمهم بكلام الرب بلا خوف.
6. من المقاصد الإلهية أن يكون وسط الأنبياء هذا التنوع الكثير بين مختلف طبقات الأنبياء، فهناك إشعياء المثقف وهو من عائلة ملكية، وها نحن نرى عاموس البسيط راعي الغنم، فالله ليس عنده محاباة وهو مستعد أن يستخدم أي شخص ويرفعه لأعلى المراتب أي النبوة حيث تنفتح بصيرة الشخص فيرى في عالم الروح. المهم عند الله أنه يبحث لا عن إمكانيات الشخص المالية أو الثقافية لكي يكلفه برسالة النبوة أو أي خدمة لكن الله يبحث عن القلب المستعد، وهذا الشخص يمسحه الله بروحه القدوس ويملأه ثم يُرسله.
7. الله بحث عن هذا القلب الذي يحبه محبة حقيقية فكشف له عن خطايا شعبه. والظلم الاجتماعي الموجود، فهو رأى طبقة الأغنياء جدًا وطبقة الفلاحين الفقراء جدًا. فالغني ينام على سرير من عاج، بينما الفقير يباع بزوج من النعال. ورأي حالة الانحلال الخلقي من زنا وغش ورشوة وكذب بل أن الأغنياء ظنوا أن كل ما هو مطلوب منهم تقديم الأموال للهيكل أو الذبائح، كأن الله محتاج لأموالهم أو هو يأخذ منهم عطاياهم كرشوة فيقبل تقدماتهم ويتغاضى عن شرورهم. وأمام هذا تنبأ عاموس بالخراب القادم (9:5 + 11:6 + 3:8 + 5:9) وهو رأى في الزلزلة مقدمة لخراب أعم كما حدث مع يوئيل في قصة الجراد. وهو رأى أن الخراب الناتج عن الزلزال هو مجرد إنذار، قد يعقبه ضربة أشد إن لم يتوبوا، لذلك عليهم أن يقدموا توبة سريعًا.
8. هو يكلم كل فئات الشعب داعيًا إياهم للتوبة لأن البديل خراب عام وهو يكلم الجميع لأن الخطية أصبحت جماعية ولذلك تستحق تأديبات عامة.
9. هو عاصر إشعياء وهوشع، ولكن كل منهم لمس ناحية معينة. فعاموس تكلم عن الفوارق الاجتماعية فهو عاش وسط الفقراء يستمع لمشاكلهم مع الأغنياء، وكيف يظلمهم هؤلاء الأغنياء ويعاملونهم بقسوة واحتقار. كان يسمع ويتقطع قلبه ويسكب شكواه أمام الله في صلواته. وتحول هذا الخادم إلى شخص مثقل بمشاكل الفقراء والمظلومين والخادم المثقل يصبح مكلف، يفكر باستمرار في حل للمشكلة ويصلي باستمرار لحلها. ومثل هذا الشخص تنفتح بصيرته الروحية فيعرف لماذا حدث هذا الأمر. ولماذا سمح الله به ومتى يكون الحل وكيف،
مثال: الله يطلب من هوشع النبى أن يتزوج من زانية ولما شعر بجُرح شديد، قال له الله الآن تشعُر بما أشعُر به أنا عريس إسرائيل الزانية، وعاموس شعر بثقل خطية الشعب ولم يحتملها كما لم يحتملها الله القدوس، وشعر بثقل الضربات التى يستحقها الشعب فإنطلق يُحذر شعبه ليتوبوا فأسماه الناس نبى الويلات.
هو خادم مُثقَّل بخطايا شعبه ويتقطع قلبه بسببها ويُصلى لأجل الناس ليتوبوا سائلاً الله عن الحَلْ ولهذا يُكلفه الله بأن يُكلِّم الشعب إذ يُريه الله رؤى بأن عقوبة الخطية أو أن نتائج الخطية مُرعبة فيرى ماذا سيحدث لشعبه فيصرخ فى الشعب طالباً لأن يتوبوا حتى لا تأتى الضربات، وهكذا يصبح نبياً.
عاش فى يهوذا كراع للغنم وجانى جميز وأرسله الله لإسرائيل المملكة الشمالية. هل بالضرورة يجد رجل الله الكرامة وسط الناس؟
قطعاً لا، فنبوات عاموس ضد الخطية أثارت رئيس الكهنة أمصيا. فذهب أمصيا للملك كاذباً مغيِّراً لأقوال عاموس:
حينما قال عاموس أن هناك ضربات ستأتى على بيت الملك، قال أمصيا أن عاموس قال أن الملك سيموت.
هذه هى عادة الشيطان وأتباعه. فكما قال السيد المسيح عن الشيطان أنه كذاب وأبو الكذاب، فأتباع الشيطان وأبنائه كذابون. يقول الخبر نصفه صحيح ونصفه كاذب للخداع.
نرى شجاعة عاموس الذى لم يهتم بتهديدات أمصيا بل حذره بشدة عما سيلحق ببيته من مصائب.
أمصيا يقول له إذهب من إسرائيل وإذهب لبلدك يهوذا وكل عيشك هناك. فهو ظن أن كل الناس مثله باحثين عن المال. فقد كان أمصيا رئيس كهنة جشع يطلب جمع الأموال غير مهتم بخلاص النفوس وظن أن عاموس مثله لكن خادم الله يطلب خلاص النفوس وليس جمع الفلوس.
0 التعليقات:
التعبيرات