تابع رساله غلاطيهورد لبولس الرسول أن كنائس غلاطية وقعت فريسة لبعض اليهود المتنصرين المتعصبين للناموس، وهؤلاء ينادون بضرورة الختان والالتزام بالناموس بالنسبة للمسيحيين، وأنه لا خلاص بدون حفظ الناموس والختان، وأسماهم بولس بالإخوة الكذبة، فهم إخوة لأنهم متنصرين، وهم كذبة لأنهم رفعوا موسى فوق المسيح، هم تنصروا ولكن بقى فيهم الفكر اليهودي. وأسماهم أيضًا بالمزعجين إذ تابعوه وأثاروا الكنائس ضده في كل مكان (غل7:1+ أع12:18، 13).
وهاجم هؤلاء الإخوة الكذبة بولس الرسول وتهجموا على رسوليته قائلين إن الرسل الحقيقيين هم فقط الاثني عشر، لذلك دافع بولس عن إرساليته من أول آية في الرسالة (غل1:1). ولو التزمت المسيحية بتعاليم هؤلاء لصارت المسيحية مجرد طائفة من طوائف اليهود. ولقد سميت المسيحية فعلًا أولًا الطريق (أع2:9) وسميت الشيعة (أع5:24، 14). والمعنى أن هؤلاء فهموا أنها طائفة يهودية، لكن لها طريق أو فهم مختلف (أع17:5).
ولأن هؤلاء المتهودين شككوا في صدق إرساليته لذا اضطر بولس أن يكتب عن نفسه وعن صدق وحق إرسالية المسيح له. بل وتكلم عن نفسه قبل إرساليته واعترف باضطهاده للمسيحيين في جهالة قبل أن يؤمن. ولاحظ أنه إذا ثبت صدق إرسالية المسيح لبولس ثبتت صدق تعاليمه. وهو يؤكد صدق إرساليته بأن التلاميذ الأعمدة اعترفوا برسوليته (9:2) وبأن الله اختاره وهو بعد في بطن أمه (15:1-17).
وهذه الرسالة هي دفاع ضد بدعة التهود، وفيها يشرح بولس أن التبرير يكون بالإيمان بدون ناموس، فالنعمة تحل تمامًا محل أعمال الناموس. ونرى فيها أن عمل الروح القدس هو أن ينشئ الحياة الجديدة للمؤمن في المسيح يسوع. فالمؤمن يولد من الروح القدس في المسيح فيحسب ابنًا حرًا لله غير خاضع للناموس.
ولأن هؤلاء المتهودين قالوا إن ما يعلم به بولس ضد ما يعلم به الاثني عشر الذين يسمحون بالختان وبحفظ السبت وغيره، اضطر بولس أن يشير لأن الله اختاره من بطن أمه وأن إرساليته هي من المسيح مباشرة، وليس من الاثني عشر. لذلك فهو غير مخطئ في تعاليمه لأنها من السماء رأسًا وهو فعل هذا ليثبت صدق الإنجيل، أي البشارة التي يبشر بها (غل11:1، 12) ثم يورد قصة الأزمة التي حدثت بينه وبين بطرس ليكشف عن عدم استقامة ما فعله بطرس، إذ كان يفرق بين مسيحيي الأمم ومسيحيي الختان (الذين من أصل يهودي غل11:2-14). وبولس قصد إبراز هذه القصة ليبرز فيها خطأ الأخذ بضرورة الختان، لأن بطرس معروف عنه أنه بشر بيت كرنيليوس الأممي وعمدهم (دون أن يختتنوا) وهو صاحب قرار مجمع أورشليم الذي أقر فيه رسميًا أنه من غير الواجب أن يضاف على كاهل الأمم الداخلين للمسيحية شيئًا من أعمال الناموس (أع7:15-11). وبطرس فعل هذا (التفريق بين الأمم واليهود) ليس عن عقيدة إنما مجاملة لليهود (هناك رأيين في هذا، انظر تفسير إصحاح 2). ونلاحظ أن هؤلاء المعلمين المتهودين إستندوا على مثل هذه المواقف (كموقف بطرس هنا) من الأمم ليثبتوا صحة عقيدتهم في ضرورة الالتزام بالناموس.
وكان التلاميذ يخشون المجاهرة بعدم ضرورة حفظ الناموس أمام مسيحيي الختان الذين تربوا على الالتزام بالناموس حتى لا يتشككوا في المسيحية، بل أن يعقوب أقنع بولس أن يتظاهر بحفظه للناموس أمام هؤلاء القوم (أع17:21-27) حتى لا يتشككوا مع عدم اقتناع يعقوب نفسه ولا التلاميذ بضرورة ذلك، كما وضح في قرارات مجمع أورشليم.
ومن هنا نرى أن التهود (أي أن يلتزم الأممي الذي يدخل المسيحية بناموس موسى) كان مشكلة كبيرة جدًا في بداية المسيحية، بل كان يمكنه هدم المسيحية لولا صلابة دفاع بولس الرسول ورفضه لمبدأ التهود. ولاحظ تردد بطرس الرسول في عماد كرنيليوس، أي (قبول الأمم) لولا رؤيا الملاءة، ثم حلول الروح القدس على كرنيليوس أمام بطرس (أع1:10-18:11).
0 التعليقات:
التعبيرات